كان كل امله في الحياة أن يصبح صاحب ورشة – أسطى - نعم ورشة !! ورشة حدادة وسن سكاكين .. ظلت هذه الفكرة في رأس الفتى .. يريد ان يصبح مثل خاله الذي علمه الصنعه .. يريد الفتى ان يقال له ياأسطى .. ولم لا .. ألم يشرب الصنعة من الصغر .. حتى انه كان يهرب من المدرسة ويذهب الى ورشةالاسطى خاله .. كان خاله يفرح به ويعطيه النقود لشراء الحلوى وأشياء اخرى !! ويقف الفتى بالورشة في بداية عهده بالصنعة كصبي حداد خلف الكور ( اداة لنفخ الهواء تدار باليد ) وينفخ في الفحم الملتهب المتجمع حول قطعة المعدن التي غالبا ما تكون من الصلب أو الجديد حتى يصير لونها من الاسود الى الاحمر الملتهب .. ويظل ينفخ وينفخ ..
ويتصبب العرق وهو مازال فتى صغيرا !! ولكن الصنعة وأي صنعة صنعة رجال وأحس الفتى بأنه ليس اقل منهم في شئ !! اذا .. عليه ان يتحمل المشقة ليحصل على عشرة قروش اجر اليوم وكانت القروش العشرة في ذلك الوقت تعني مبلغا ضخما جدا بالنسبة لفتى في مثل سنه .
كبر الفتي واشتد ساعداه وبرزت من بين طيات ملابسه عضلات تدل على القوة والصبر والجلد .. واصبح الفتى شابا يافعا وفهم بمرور القوت كل كبيرة وصغيرة بالورشة حتى انه كان يقال له احيانا ياأسطى – ليس من العمال ولكن من الزبائن – واصبح خاله يعتمد عليه في كل كبيرة وصغيرة بعد ان كبر سنه وثقلت حركته.
وتزروج الفتى ابنة معلمه وخاله .. ليصون نفسه من المحرمات التي كانت كثيرا ما تهفو نفسه اليها ولكن اتزانه وقوة تحمله جعلته يبتعد بنفسه عنها !! اضافة الى ان العروس طيبة القلب وعطوفة رغم ان اباها حداد ومعروف عن الحدادين الخشونة والقسوة والصلابة.
ولكن هل مات الحلم ؟ ابدا بل ازداد الحاحا ان يصبح صاحب ورشة .. مثل خاله .. واحيانا كان يقول لنفسه الا يكفيك انك الامر الناهي في ورشة خالك بعد ان ترك ادارتها لك واصبحت تعرف فيها كل صغيرة وكبيرة .
ولكنه كان يقول " ابدا .. هذه ليست ورشتي انها ملك ابنة خالي وبعد وفاته في اي لحظة ، ولا ارضى ان يقال لي بأني اعمل عند زوجتي .. فلا شئ في هذه الورشة يدل على انها لي !! ولا حتى الكور الذي افنيت وراءه اغلب طفولتي !! اضغط عليه ليندفع الهواء عبر انبوبته السوداء المتهالكة والتي كثيرا ما يتسرب الهواء من بين أحد جوانبها نتيجة لثقب حدث بفعل الحرارة العالية .. مما يجعل حركة العمل تتوقف حتى يسد هذا الثقب ويعود الكور ليعمل بكامل طاقته مرة اخرى.
ومرت شهور وسنوات .. ورزق الفتى بمولود ذكر وانعما لله عليه بأن اصبح صاحب ورشة صغيرة بها مجموعة من العمال وبها كور للفحم مثل الموجود بورشة خاله .. وهاهو ابنه يقف وراء الكور ينفخ في الفحم الملتهب .. ولكن الولد صغير وضغيف ولا يقدر على هذه الصنعة .. ولكن دعه يحاول .. الم تقف انت مثل هذه الوقفة وانت أصغر منه سنا في يوم من الايام .. هكذا قال الاسطى الوالد لنفسه وهو يرى ابنه يتصبب عرقا .. ويظل الابن يفنخ في الفحم ويتحول لون قطعة المعدن من الاسود الى الاحمر الملتهب .. وتزداد احمرارا والابن ينفخ وينفخ حتى تصاعد لهب اسود من قطعة المعدن الملتهب .. هنا التفت الاسطى الى الفحم ونهر الابن ان يترك الكور !! فلقد انصهرت قطعة المعدن المراد تشكيلها الى سكين .. وبمعنى اخر تحولت الي قطعة عين نارية لا تصلح ان يدق عليها بالمطرقة أو بغيرها..
وطلب الولد من الاسطى اباه ان يعطيه فرصة اخرى .. فوبخه الاب مرة ثانية وطلب منه الالتفات لدروسه احسن .. لان الصنعة صعبة !! ويضا ليس للولد قدرة على تحمل مشاقها !!
رجع الولد الى امه يشكو لها .. انه يريد ان يكون مثل ابيه .. اسطى .. ولكن الام كانت تدري مما معنى ان يفكر صغير في مثل سنه في هذه الامنية العزيزة المنال .. معناها حياة شاقة .. صعبة .. خشنة .. من الصغر والى النهاية .. وهذا ما كانت لا تتمناه للأبن .. وهي ابنة الحداد وزوجة الحداد .. ولكنها وعدته كأم ان تتحدث مع ابيه في ارجاعه اياه الى الورشة .. ولكن كل توسلاتها ذهبت هباء فلم يستجب الاب .. وقال لها يستحسن ان يلتفت لدروسه ليتخرج في المستقبل دكتورا أو مهندسا أو ضابطا .. وكانت هذه هي الوظائف المرموقة في تلك الايام ..
واستمر الاسطى في عمله سنة وراء سنة حقق خلالها اسما يشار له بالبنان في مجال صنعته حتى وصلت شهرته الى خارج القطر ..
وأستمر الابن في دراسته .. ولكنه كان ضعيفا فيها ايضا .. فلم يحقق ما تمناه الوالد فيه .. فلا صار دكتورا ولا ضابطا بل عمل اعمالا كتابية تتفق مع طبيعة تكوينه الضعيفة .. وتوفى الاب واغلقت الورشة ، اما الابن فلقد سافر خارج البلاد سعيا وراء رزق اوسع .. وبقيت الذكريات وحدها تتردد في ارجاء الورشة المهجورة ..
ويتصبب العرق وهو مازال فتى صغيرا !! ولكن الصنعة وأي صنعة صنعة رجال وأحس الفتى بأنه ليس اقل منهم في شئ !! اذا .. عليه ان يتحمل المشقة ليحصل على عشرة قروش اجر اليوم وكانت القروش العشرة في ذلك الوقت تعني مبلغا ضخما جدا بالنسبة لفتى في مثل سنه .
كبر الفتي واشتد ساعداه وبرزت من بين طيات ملابسه عضلات تدل على القوة والصبر والجلد .. واصبح الفتى شابا يافعا وفهم بمرور القوت كل كبيرة وصغيرة بالورشة حتى انه كان يقال له احيانا ياأسطى – ليس من العمال ولكن من الزبائن – واصبح خاله يعتمد عليه في كل كبيرة وصغيرة بعد ان كبر سنه وثقلت حركته.
وتزروج الفتى ابنة معلمه وخاله .. ليصون نفسه من المحرمات التي كانت كثيرا ما تهفو نفسه اليها ولكن اتزانه وقوة تحمله جعلته يبتعد بنفسه عنها !! اضافة الى ان العروس طيبة القلب وعطوفة رغم ان اباها حداد ومعروف عن الحدادين الخشونة والقسوة والصلابة.
ولكن هل مات الحلم ؟ ابدا بل ازداد الحاحا ان يصبح صاحب ورشة .. مثل خاله .. واحيانا كان يقول لنفسه الا يكفيك انك الامر الناهي في ورشة خالك بعد ان ترك ادارتها لك واصبحت تعرف فيها كل صغيرة وكبيرة .
ولكنه كان يقول " ابدا .. هذه ليست ورشتي انها ملك ابنة خالي وبعد وفاته في اي لحظة ، ولا ارضى ان يقال لي بأني اعمل عند زوجتي .. فلا شئ في هذه الورشة يدل على انها لي !! ولا حتى الكور الذي افنيت وراءه اغلب طفولتي !! اضغط عليه ليندفع الهواء عبر انبوبته السوداء المتهالكة والتي كثيرا ما يتسرب الهواء من بين أحد جوانبها نتيجة لثقب حدث بفعل الحرارة العالية .. مما يجعل حركة العمل تتوقف حتى يسد هذا الثقب ويعود الكور ليعمل بكامل طاقته مرة اخرى.
ومرت شهور وسنوات .. ورزق الفتى بمولود ذكر وانعما لله عليه بأن اصبح صاحب ورشة صغيرة بها مجموعة من العمال وبها كور للفحم مثل الموجود بورشة خاله .. وهاهو ابنه يقف وراء الكور ينفخ في الفحم الملتهب .. ولكن الولد صغير وضغيف ولا يقدر على هذه الصنعة .. ولكن دعه يحاول .. الم تقف انت مثل هذه الوقفة وانت أصغر منه سنا في يوم من الايام .. هكذا قال الاسطى الوالد لنفسه وهو يرى ابنه يتصبب عرقا .. ويظل الابن يفنخ في الفحم ويتحول لون قطعة المعدن من الاسود الى الاحمر الملتهب .. وتزداد احمرارا والابن ينفخ وينفخ حتى تصاعد لهب اسود من قطعة المعدن الملتهب .. هنا التفت الاسطى الى الفحم ونهر الابن ان يترك الكور !! فلقد انصهرت قطعة المعدن المراد تشكيلها الى سكين .. وبمعنى اخر تحولت الي قطعة عين نارية لا تصلح ان يدق عليها بالمطرقة أو بغيرها..
وطلب الولد من الاسطى اباه ان يعطيه فرصة اخرى .. فوبخه الاب مرة ثانية وطلب منه الالتفات لدروسه احسن .. لان الصنعة صعبة !! ويضا ليس للولد قدرة على تحمل مشاقها !!
رجع الولد الى امه يشكو لها .. انه يريد ان يكون مثل ابيه .. اسطى .. ولكن الام كانت تدري مما معنى ان يفكر صغير في مثل سنه في هذه الامنية العزيزة المنال .. معناها حياة شاقة .. صعبة .. خشنة .. من الصغر والى النهاية .. وهذا ما كانت لا تتمناه للأبن .. وهي ابنة الحداد وزوجة الحداد .. ولكنها وعدته كأم ان تتحدث مع ابيه في ارجاعه اياه الى الورشة .. ولكن كل توسلاتها ذهبت هباء فلم يستجب الاب .. وقال لها يستحسن ان يلتفت لدروسه ليتخرج في المستقبل دكتورا أو مهندسا أو ضابطا .. وكانت هذه هي الوظائف المرموقة في تلك الايام ..
واستمر الاسطى في عمله سنة وراء سنة حقق خلالها اسما يشار له بالبنان في مجال صنعته حتى وصلت شهرته الى خارج القطر ..
وأستمر الابن في دراسته .. ولكنه كان ضعيفا فيها ايضا .. فلم يحقق ما تمناه الوالد فيه .. فلا صار دكتورا ولا ضابطا بل عمل اعمالا كتابية تتفق مع طبيعة تكوينه الضعيفة .. وتوفى الاب واغلقت الورشة ، اما الابن فلقد سافر خارج البلاد سعيا وراء رزق اوسع .. وبقيت الذكريات وحدها تتردد في ارجاء الورشة المهجورة ..